الغرامات المالية بين التعزير المشروع والربا المحرّم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا دكتور عبد الله.

ما حكم الغرامات المالية المترتبة على التأخير في سداد مبلغ مستحق أو إرجاع عارية. هل هي من جنس التعزير المالي لأجل التقيد بالآجال أم أنها من الربا؟ الحالات كالآتي:

١- الجامعة وأغلب المكتبات هنا تفرض غرامات عند التأخر في إرجاع كتب مستعارة. الغرامة منها ما يكون قيمة ثابتة مهما كانت مدة التأخير ومنها ما يكون عن كل مدة تأخير إضافية.

٢- الغرامات المالية التي تفرضها المؤسسات التعليمية عند التخلف عن سداد الرسوم الدراسية.

٣- مستحقات بعض الخدمات كإشتراكات الهاتف والكهرباء منها ما هو شهري، عادة تفرض الشركات غرامات مالية ثابتة عند التأخر في دفع الإشتراك لأي سبب كان.

٤- الغرامات الناتجة عن التأخر في دفع مخالفات.

بارك الله فيك.

الإجابه:

خلاصة الفتوى/ كل غرامة مالية مقابل مال فهي ربا محرم، وأما إذا كانت في مقابل عين فهي غرامة تعزيرية مشروعة.

تفصيل الفتوى/

وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته أخي الكريم، هذه واحدة من المسائل الدقيقة التي يختلف الحكم فيها باختلاف نوع العلاقة المنشئة للعقد وطبيعة الالتزام القائم بين الطرفين، ويمكن بيان الحكم الشرعي فيها على نحو ما يلي:

1/ أولًا: الغرامات المالية الناشئة عن التأخر في دفع دين مالي محض، كفواتير الهاتف، والكهرباء، وقيمة المخالفات، ونحو ذلك.

وحكمها: أنها زيادة ربوية محرمة بغير خلاف، حتى ولو كانت الجهة المقدِّمة للخدمة غير مصرفية (كشركة الهاتف والكهرباء)؛ لأنها زيادة مشروطة على دين مالي مؤجل، أي أن المبلغ الواجب في الأصل هو مال نقدي في الذمة، ثم يُزاد عليه غيره لمجرد التأخير، وهذا من جنس الربا الجاهلي الذي كان يقول فيه المرابي لمدينه: (أتقضي أم تربي).

2/ ثانياً: الغرامات المالية الناشئة عن التأخر في تنفيذ التزامات غير مالية، مثل التأخر في تسليم السيارة المستأجرة أو تأخير ردّ الوديعة أو العارية، أو تنفيذ عقد توريد، أو مقاولة، ونحو ذلك.

وحكمها: أنها ليست من قبيل الربا؛ لأن منشأ العقد ليس قرضًا ماليًا، وإنما عقد معاوضة أو أمانة، ومن ثمّ يمكن اعتبار الغرامة هنا تعويضًا ماليًا مشروعًا عن ضرر فعلي أو منفعة فائتة، فإذا ترتب على التأخير ضرر حقيقي على الطرف الآخر (كحرمان شركة التأجير من منفعة السيارة في تلك الساعات)، جاز له أن يطالب بتعويض منصف يعادل مقدار الضرر الواقعي، لا أكثر، فهي إذن تعويضات منصفة عن فوات منفعة مشروعة أو عن ضرر متحقق، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة: (يجوز تضمين الشرط الجزائي في العقود غير المالية، كعقود المقاولات أو الإجارة ونحوها، إذا كان التعويض عن ضرر حقيقي، لا عن تأخير في دين نقدي).

3/ ثالثًا: الغرامات التي تفرضها المؤسسات التعليمية، ولعل بها إستشكال في توصيف طبيعتها، ومن ثم معرفة إلحاقها بأي نوع من النوعين السابقين، ولإزالة هذا الاستشكال نقول:

  • إذا كانت الرسوم الدراسية قد استحقت فعلاً، وبقي قيد الطالب قائمًا، فإن الغرامة المضافة على التأخير في السداد تُعد زيادة على دين مالي محض، وتلحق بالنوع الأول، فتكون ربوية محرّمة.
  • وأما إذا كان النظام الاداري يلغي التسجيل عند التأخير في السداد، ثم يفرض غرامة مالية طلب إعادة التسجيل، فإن هذه الغرامة تُعد تعويضًا إداريًا مشروعًا، لأنها في مقابل ضرر إداري وإجرائي لا في مقابل دين سابق.

 

والله تعالى أعلم

الأكثر مشاهدة

أضيف مؤخراً

أضيف مؤخراً

wpChatIcon