السؤال:
السلآم عليكم و رحمة الله و بركاته
ما حكم أكل المواد الغذائيّة التي تحتوي على خمرة الرز (Vin du riz)، نجدها خاصة في فواكه البحر (Fruits de mer).
جزاكم الله خيرا على مجهوداتكم و إينارة بصيرتنا
الاجابة:
وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته اخي الكريم،، اعتذر للتأخير.
أجريت بحثا بالأمس حول طبيعة تلك المادة الغذائية، ومنتوجاتها الثلاثة، وخصائص كل منتج:
Rice wine
Rice wine vinegar
Rice vinegar
والليلة بمشيئة الله تعالى سأجد وقتا للإجابة على سؤالك اخي الكريم، واعتذر عن التاخير.
خلاصة الفتوى
أن نبيذ الأرز محرم، وأن خل الأرز مباح، وأما خل نبيذ الأرز، ففيه شبهة التحريم، فينبغي اجتنابه
———————————————-
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الكريم،، وبعد:
فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وقد أسفر البحث في تصور طبيعة تلك المادة الغذائية التكميلية التي سألت عنها، أن هناك ثلاثة منتوجات من الأرز قريبة الصلة بمضمون سؤالك
– منتج نبيذ الأرز.
– منتج خل نبيذ الأرز.
– منتج خل الأرز.
أما المنتجان الأول والأخير (النبيذ والخل)، فالحكم الفقهي فيهما واضح ظاهر، أما نبيذ الأرز فمسكر محرم، وأما خل الأرز فغير مسكر وغير محرم.
والأصل في هذه المسألة، مسألة فقهية قديمة تناولتها كتب التراث بالايضاح والتبيان، مسألة: الاستحالة وأثرها في الأحكام الفقهية ، ويقصد بالاستحالة (تحول العين محل الاستفتاء من حالة إلى حالة أخرى)، فهل يؤثر ذلك التحول في تحول وتبدل الحكم الفقهي الذي كان منوطا بحالة تلك المادة الأصلية قبل تبدلها وتحولها، أم لا؟
هذه هي مسألة الأصل التي يقاس عليها نظائرها وأشباهها من الصور المعاصرة والمستحدثة، كما في مادة سؤالك.
وذلك لأن الخل، لا يصير خلا إلا إذا مر بمرحلة النبذ (النبيذ)، ثم تجاوزها بالتحول إلى مرحلة التخمر (أقصى مراحل الاسكار وإذهاب العقل أو إخماله)، ثم تجاوزها بالتحول مجددا إلى مرحلة التخلل، وهي مرحلة تفقد المادة الأصلية فيها خصائص التأثير على العقل، فتذهب علة التحريم، والقاعدة الفقهية أن الحكم المنوط بعلة يدور مع علته وجودا وعدما، فالمادة هي نفسها (الأرز أو التفاح أو التمر أو العنب،،، الخ) لكن الأحكام الفقهية تختلف باختلاف تحقق العلة (التأثير على العقل) أو عدم تحققها في مراحل نفس المادة المختلفة:
فعندما تكون ثمرة كما في العنب، أو حبة كما في الأرز فهي طيبات الرزق التي انبتها الله للناس، ثم عندما تعصر شرابا أو زيتا فهي طيبة أيضا لا حرج فيها، فإذا انتبذت في الماء ونحوه فعند ذلك يتسلل إليها التحريم في تلك اللحظة التي تتسلل فيها خصيصة التأثير على المزاج والدماغ، ثم متى ما اشتدت وتخمرت يتأكد التحريم القطعي بنص القرآن، ثم متى ما تجاوزت ذلك بالتخلل يتغير الحكم مجددا فتصير من طيبات الأرزاق، وفي صحيح الهدي النبوي: (خير الادام الخل).
ثم يبقى الاشكال والاختلاف الفقهي في النوع الأوسط (خل نبيذ الأرز)، ويبدو من واقع التسمية أنها حالة للمنتج في مرحلة وسطية زمنية بين التخلل والنبيذ، ومما يؤكد ذلك أن البحث قد أكد اشتمال المنتج في تلك المرحلة (خل نبيذ الأرز) على نسبة من الكحول، قدرت تقريبا ما بين 18% إلى 24% وعليه فلن تجد فتوى قاطعة لا بالتحريم ولا بالتجويز، وانما يتجاذها جاذبان باعتبار تأكد التأثير العقلي أو عدم تأكده عند استعمال ذلك المنتج، وهو فوق ذلك أمر نسبي يختلف باختلاف طبيعة الأشخاص، فقد يتأثر آكل ولا يتأثر آخر، وهكذا.
وعليه فإن تلك المسألة واقعة في خط البين ومنطقة الرماد في الحد الأدنى من التقدير، وقد نهانا النبي (ص) في صحيح الهدي من مقارفة تلك المنطقة البينية الغامضة بين حد الحلال وحد الحرام دون حاجة ملحة إلى ذلك: (إن الحلال بين، وان الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)،، الحديث.
فإن كان سؤالك أخي الكريم عن خصوص هذا النوع الثاني، خل نبيذ الأرز (فلا ينبغي لك استخدامه، كما لا ينبغي لك أن تطعم طعاما يحتويه (فاتقوا الله ما استطعتم)، وفي استطاعتنا ولله الحمد أن ندع ما يريبنا من أصناف حصرية إلى ما لا يريبنا من طيبات الرزق غير الحصرية ولله الحمد.
والله تعالى أعلم
⚠ تنبيه ⚠
يبدو أنه قد ورد خطأ في كتابة نسبة الكحول في الفتوى 👆 جاري التحقق والتصويب ، غاية ما في الأمر أن النسبة أقل من المشار إليه، وأنها دون حد القطع بالتحريم، وان المسألة من قبيل المشتبهات كما أشرت.
خلاصة إعادة التحقق في المسألة:
تأكد أن نسبة الكحول المشار إليها 👆 إنما هي في نبيذ الأرز، وليس في خل نبيذ الأرز.
وأن نسبة الكحول في خل نبيذ الأرز قليلة جداً، غير أني لم أقف على تحديد ثابت لها، ولربما لأن تلك النسبة تختلف باختلاف مصادر التصنيع، غاية ما في الأمر أن الأحكام المشار إليها في الفتوى 👆 ثابتة لم تتغير:
1/ نبيذ الأرز – منتج محرم، يشتمل على نسبة كحول عالية تتراوح ما بين 18 إلى 24%.
2/ خل الأرز – منتج حلال.
3/ خل نبيذ الأرز – منتج تكتنفه الشبهة، ويتجاذبه اجتهادان، اجتهاد بالتحريم لاشتماله على نسبة من الكحول.
واجتهاد بالإباحة والتجويز، لكون تلك النسبة منخفضة لا ترقى لحد التأثير على العقل.
هذا هو حد الفتوى في المسألة، وأما حد التقوى فهو عدم الاستخدام: (فاتقوا الله ما استطعتم).
والله تعالى أعلم
فتاوى تعقيبية على اجابة الفتوى/
السلام عليكم شيخ عبد الله،
ما هو اقوى التحريم ام الاجتناب؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي العزيز،،
صيغة (الاجتناب)، اقوى من صيغة (التحريم)، وبالتأمل في استعمال القرآن الكريم للصيغتين يتبين لنا جملة فروق:
1/ أولاً: استعمال القرآن لصيغة الاجتناب أقل عددا من استعمال صيغة التحريم.
2/ ثانياً: القرآن الكريم يستعمل صيغة الاجتناب عندما يكون للشيء المحرم خطر عام على الشخص المقارف للمحرم، وكذا انعكاس الخطر على محيطه وعلى المجتمع، لذا استعمل ذلك في الخمر لكون خطره لا يقتصر على فقد عقل الشارب فقط، وانما اضرار يلحقها في المجتمع من حوله جراء ذهاب عقله.
بينما يستعمل القرآن الكريم صيغة التحريم عندما يكون الخطر محصورا في ذات الشخص أو طرفي الجريمة فقط.
3/ ثالثاً: القرآن الكريم يستعمل الاجتناب عندما يريد منا الابتعاد جملة وتفصيلا عن مقاربة الشيء المامور باجتنابه، فالمقصود في الأمر باجتناب الخمر مثلا، أن تبتعد عن كل متعلقاتها، فلا تجالس أهلها، ولا تعصرها، ولا تحملها، ولا تسقيها، ولا تشربها، ولا تباشر بيعها، ولا تأكل ثمنها ولو من غير مباشرة لبيعها،،، الخ وجوه المقاربة العشرة المنصوصة باللعن في صحيح الهدي النبوي من رواية عبد الله بن عمر: (لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها).
بينما في صيغة التحريم حسب استعمال القرآن الكريم، لا يكون المقصود سائر وجوه المقاربة، وانما وجه واحد محدد هو مقصود التحريم فقط، فعندما يقول الله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير)، فإن المقصود وجه واحد فقط في كل ما سبق وهو الشرب أو الأكل، أما لمس الميتة، أو مقاربة الخنزير، أو حمل الدم، ونحو ذلك فليس بمحرم.
وهكذا يتضح لنا أن صيغة الاجتناب حسب استعمال القرآن الكريم، هي الأقوى، وموضوعها هو الأخطر، ومضمونها هو الأعم.
والله تعالى أعلم