التمييز بين الرشوة والعمولة المشروعة في ضوء القواعد الفقهية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

شيخنا الفاضل، جزاكم الله خيرًا وبارك في علمكم.

تواصل معي مدير إحدى العمارات لعمل صيانة في إحدى الشقق، وأخبرني أنه سيُدرج اسمي ضمن قائمة الشركات التي تتعامل معهم في مجال الصيانة، وأنه سيوكل إليّ عدة أعمال وصيانات تابعة لشركتهم.

وفي نهاية الحديث، طلب مني نسبة (10٪) من قيمة جميع الفواتير التي أصدرها مقابل ذلك.

سؤالي: هل هذا العمل جائز شرعًا؟ وهل تُعد هذه النسبة من الرشوة المحرّمة؟

وجزاكم الله خيرًا على وقتكم وتوجيهكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابه:

خلاصة الفتوى/ هذه رشوة محرمة.

تفصيل الفتوى/

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

هذه واحدة من المسائل التي تحتاج إلى تفصيل دقيق يفرّق بين ما يجوز من السمسرة أو العمولة المشروعة، وبين ما يُعدّ من الرشوة المحرّمة، وتفصيل ذلك فيما يلي:

✍🏻 أولًا: نقطة إيضاح للصورة المذكورة:

المدير الذي تواصل معك ليس هو المالك الحقيقي للمال، وإنما هو موظف أو مسؤول في شركة أو عمارة، مؤتمنٌ على إدارة العقود والصيانة باسم الجهة المالكة.

ثم طلب منك أن تعطيه نسبة (10٪) من قيمة الفواتير التي تصدرها مقابل أن يختارك أنت لتنفيذ أعمال الصيانة.

✍🏻 ثانيًا: الحكم الشرعي لهذه المعاملة:

هذه الصورة تندرج في معنى الرشوة المحرّمة شرعًا، وذلك للأسباب الآتية:

  1. لأن المدير لا يملك حقًّا شخصيًّا في هذه الأموال، فهي أموال أصحاب العمارة أو الشركة، وما دام ليس له صلاحية في أخذ نسبة من المقاولين أو الفنيين، فإن أخذه لهذه النسبة يُعدّ أكلًا للمال بالباطل.
  2. ولأن المقصود من النسبة هو ترجيحك على غيرك في الاختيار، لا لمصلحة الشركة بل لمصلحته الخاصة، وهذه هي حقيقة الرشوة التي لعن النبي ﷺ آكلها ومؤتمنها والوسيط فيها: (لعن اللّٰه الراشيوالمرتشي والرائش بينهما).
  3. ولأن هذا التصرف يضرّ بمبدأ الأمانة والعدالة في العمل، إذ يُقصى الأكفأ أو الأرخص ثمنًا لمصلحة شخصية غير مشروعة، فتتحقق بذلك مفاسد الرشوة التي حرّمها الشرع حمايةً للحقوق والنزاهة.

✍🏻 ثالثًا: متى تكون العمولة جائزة؟

تكون العمولة أو النسبة جائزة شرعًا إذا تحققت فيها الشروط التالية:

  1. أن تكون بعلم وموافقة صاحب المال الأصلي أو الجهة المالكة.
  2. أن تكون في مقابل عملٍ حقيقي مباحٍ، مثل جهدٍ في التسويق أو وساطةٍ مشروعة معلومة للطرفين.
  3. ألا يترتب عليها إضرارٌ بطرفٍ آخر أو تضييعٌ للأمانة.

أما إذا كانت خفية عن أصحاب المال، أو استغلّ فيها الموظف موقعه لتحقيق مصلحةٍ شخصية، فهي رشوة محرّمة حتى لو سُمّيت عمولة، أو نسبة، أو هدية.

،، وبناءا عليه: فإنه لا يجوز لك شرعًا أن تدفع له هذه النسبة، لأنها تُعدّ مالًا محرّمًا يدخل في باب الرشوة.

ويمكنك أن تعتذر بلطفٍ وتوضّح له أن التعامل سيكون عبر القنوات الرسمية للشركة، فإن أصرّ على ذلك، فابتعد عن التعامل معه، فالرزق الحلال لا يُنال بالحرام.

والله تعالى أعلم

الأكثر مشاهدة

أضيف مؤخراً

أضيف مؤخراً

wpChatIcon