أولاً: تعريف علم الكلام:
عرفه الإمام عضد الدين الإيجي في متن المواقف بأنه: “علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية، بإيراد الحجج، ودفع الشُّبه”[1].
قال الإمام محمد علي التهانَوي ملخصاً شرح التعريف السابق: “فحاصل الحد أنه علمٌ بأمور (يقتدر معه) أي يحصل مع ذلك العلم حصولا دائماً عادياً قدرة تامة على (إثبات العقائد الدينية) على الغير وإلزامه إياها (بإيراد الحجج، ودفع الشبه عنها) فإيراد الحجج إشارة إلى المقتضي، ودفع الشبه إلى انتفاء المانع”[2].
ثانياً: غاية العلم وثمرته:
- الإيمان بالله تعالى وبسائر عقائد الإسلام عن بينة واقتناع ويقين.
- تقوية الإيمان واليقين بعقائد الدين.
- ردّ الشبه عن عقائد الإسلام.
- تحصيل الملكة القادرة على إنجاز ما سبق.
- تحصيل سعادة الدارين.
- ضبط السلوك الإنساني، فمن آمن أنه محاسب من رب عليم لا يخفى عليه شيء، ضبط سلوكه أو سعى لذلك.
ثالثاً: منهج البحث فيه:
يمتزج البحث في علم الكلام بين النقل والعقل؛ لأنّ العقل هو مناط التكليف، ولا تكليف بلا عقل، وكذلك لا حكم قبل الشرع، فالأحكام مأخوذة من الشرع (الوحي) مفهومة ومدركة عن طريق العقل، قال السيد الشريف الجرجاني: “ودلائله –يعني علمَ الكلام- يقينية يحكم بها أي بصحة مقدماتها وحقية الصور العارضة لها صريح العقل بلا شائبة من الوهم، وقد تأيدت تلك الدلائل بالنقل، وهي أي شهادة العقل لها بصحتها مع تأييدها بالنقل هي الغاية في الوثاقة؛ إذ لا يبقى شبهة في صحة الدليل الذي تطابق فيه العقل والنقل قطعا”[3].
فعلى الرغم من أهمية النصّ إلا أنّ العقل لغة عالمية نستطيع أن نخاطب بها كل إنسان ليست لديه قدرة على فهم النصّ، وحتى أهل اللغة العربية خاطب الله تعالى عقولهم، وعلمهم كيف يستخدمونها للوصول إلى النتائج المطلوبة، فقال على سبيل المثال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ* أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ } [يس: 78 – 81] قال الإمام الرازي: “قوله: قل يحييها إشارة إلى كمال القدرة، وقوله: وهو بكل خلق عليم إشارة إلى كمال العلم”[4]. ومن جمع بين كمال العلم وكمال القدرة لا يعجزه شيء.
رابعاً: مكانته:
هو من أهم العلوم وأشرفها؛ لأنه الموصل إلى النجاة في الدارين؛ ولأن فيه يمتزج العقل والنقل، قال الإمام الغزالي: “وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع”[5]؛ وقد صرّح الإمام الغزالي أن قاضي العقل هو الحاكم الذي لا يعزل ولا يبدّل، وأنّ شاهد الشرع هو الشاهد المُزكّى المُعدّل[6].
خامساً: موضوعه:
علم يبحث في الإلهيات والنبوات والسَّمعيات (الغيبيّات)، أما (الإلهيات) فالبحث فيها يكون في إثبات وجود الله تعالى ثم في الصفات الواجبة له عقلا، والجائزة عليه، والمستحيلة في حقه، وفي (النبوات) يكون البحث فيما يجب للأنبياء عليهم السلام وما يجوز عليهم وما يستحيل في حقهم، وأخيرًا (السمعيات) وهي التي ثبتت بالسماع أي بالنص ولا طريق لمعرفتها إلا من خلاله؛ لأنها غيبيات، لا قدرة للعقل على الوصول إليها منفردا وذلك مثل: نعيم القبر وعذابه، سؤال الملكين، الصراط والميزان، وغيرها.
سادساً: نسبته إلى العلوم الدينية الأخرى:
علم الكلام هو رئيس العلوم الشرعية، إذ هو الأساس لكلّ العلوم الدينية، فعلوم القرآن-مثلا- أساسها أن هذا الكتاب هو من عند الله تعالى، وأنه كلام الله تعالى، ومهمة إثبات هذا تقع على كاهل علم الكلام. وعلوم الحديث مبنية على أنّ سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقاً وصدقاً، وإثبات هذه الحقيقة يكون من خلال علم الكلام. حيث يبدأ علم الكلام بإثبات وجود الله ووحدانيته، ثم يثبت أنه سبحانه أرسل رسلا، وجعل المعجزات دليلا على صدقهم، وأنه أرسل معهم كتباً يجب الإيمان بها، والعمل بمقتضاها.
سابعاً: أسماؤه:
تعددت أسماؤه، وكثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمّى غالبا، وقد سماه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه “الفقه الأكبر”، وسُمّي “علم الكلام” و “علم أصول الدّين” و “علم العقائد” و “علم التوحيد” و “علم النظر والاستدلال”.
ثامناً: حكم الاشتغال به:
نص العلماء على أن الاشتغال بعلم الكلام في حق الأمة من فروض الكفايات، حيث يجب أن نجد في الأمة من يستطيع أن يقرر العقائد ويرفع الشبهات، وإلا أثمت الأمة كلها.
أما في حق الفرد فواجب عيني، عليه أن يعرف أصول العقائد بأدلتها الإجمالية؛ ليخرج عن التقليد فيها، وإلا كان آثما إن ملك القدرة ولم يفعل، وهو المعتمد عند علماء أهل السنة والجماعة.
أمّا ما نقل عن مجموعة من الأئمة من نهيهم عن الخوض في علم الكلام، وأنهم كانوا بين ذامٍّ له ومحرم، حتى صنف الهروي كتابا سماه “ذم الكلام”، فيمكن أن يحمل على:
1. كلام أهل البدع الذي يتضمن الخروج عن قواعد الإسلام، بمعنى نهيهم عن عقائد أهل الزيغ والضلال الذين اختلطت آراؤهم بالفلسفة التي تعارض الأدلة الشريعة.
2. كما يمكن أن يوجه ذمهم للتكفير الذي يمارسه أهل الكلام فيما بينهم.
3. أو للجدال الذي لا يفارق مجالسهم عادة، وهو أمر لم يفعله الصحابة -رضي الله عنهم-ولا سلفنا الصالح، وينتج عنه تمزيق الأمة وتفريقها.
[1] “شرح المواقف” (1/31)
[2] “كشاف اصطلاحات الفنون” (1/29)
[3] “شرح المواقف” (1/42)
[4] “تفسير الرازي” (17 / 201)
[5] “المستصفى” (ص: 4)
[6] “المستصفى” (ص: 3)