الصفحة الرئيسية

سبل الوقاية والعلاج من الأوبئة

سبل الوقاية والعلاج من الأوبئة

هدي الإسلام في سبل الوقاية والعلاج من الأوبئة

 

إن البشرية اليوم والعالم كله يعاني من وباء وفايروس الكورونا، حيث وصل هذا الوباء إلى أكثر من ثمانين دولة، وبلغت الإصابات بهذا الوباء قرابة مائة ألف إصابة وعدد الوفيات زادت على أربعة آلاف وفاة بحسب التقارير الإعلامية لغاية تاريخ كتابة هذا المقال.

وإن هذا الوباء أظهر عجز البشر، وفقرهم، وضعفهم، عن مقاومة ودفع هذا المخلوق من مخلوقات الله تعالى، وإن لم يرحم الله تعالى الناس ويتداركهم بلطفه لحصد هذا الوباء مجتمعات بأكملها.

ولقد حذر الإسلام من عقوبات الذنوب والمعاصي التي يرتكبها البشر، ومحاربة الله تعالى بالمعاصي والمجاهرة بها ومخالفة أوامره ونواهيه، فقال تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} الشعراء: 3-4. فلو شاء الله لنـزل على الجاحدين وأهل المعاصي آية يذلون بها، فلا يلوي أحد عنقه إلى معصية الله، وقال سبحانه وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الروم:41.

وفي الحديث النبوي الشريف تحذير من عقوبة الإعلان بالمعاصي ومقابلتها بانتشار الأوبئة والأمراض التي تفتك بالبشرية، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه في السنن.

ومع ما تقدم فإن الإسلام شرع للناس سبلاً للوقاية والعلاج من الأوبئة والأمراض، ومن هذه السبل الوقائية والعلاجية ما يتعلق بالأمور الاعتقادية الغيبية والتعبدية، ومنها مايتعلق بالأخذ بالأسباب المادية.

أما الأسباب المتعلقة بالاعتقاد والإيمان والقضاء والقدر والتعبد، فمنها:

أولاً: الاعتماد والتوكل على الله تعالى والإيمان بالقضاء والقدر والإيمان بأنه لن يصيب الانسان إلا ما كتب له من النعمة والنقمة.

ثانياً: الدعاء والتضرع لرفع البلاء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اسألوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية) أخرجه الترمذي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَام) رواه أبو داود

ثالثاً: التوبة والاستغفار ورد المظالم والحقوق إلى أهلها، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}الأنفال:33، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) رواه أبو داود، وورد في الأثر أنه: ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة.

رابعاً: التحصين بالعبادة والأذكار

فعن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال : سم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات حين يُمسي لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي) رواه أبو داود والترمذي، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة. قال: (أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك) رواه مسلم.

وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلا يَطلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ).

قال النووي في “شرح مسلم” (5/158): “الذِّمَّة هنا : الضمان ، وقيل الأمان “فصلاة الفجر وغيرها من العبادات والطاعات تحفظ المسلم من الشرور.

أما الأسباب المادية للوقاية والعلاج فمنها:

أولاً: الطهارة والنظافة، وهذا ما يؤكد عليه الأطباء والمختصون من دور وأثر النظافة في الوقاية من الأوبئة وسائر الأمراض، وللطهارة والنظافة في الإسلام أهميتها الكبيرة، فقد أمرنا الإسلام بها وهي تشمل طهارة البدن وطهارة الثوب وطهارة المكان والبيئة وطهارة الأدوات والأواني التي يستعملها الإنسان في قوام حياته ومعيشته.

وإن من أوائل ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى: {وثيابك فطهر} المدثر:4.

والإسلام اشترط لصحة الصلاة الطهارة فالمسلم يتطهر لكل الصلاة، فيتطهر بالوضوء خمس مرات في اليوم والليلة موزعة على فترات، وكذلك شرع الإسلام الاغتسال للمسلم (الاستحمام) فمنه ما يكون واجباً ومنه ما يكون مندوباً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق على كل مسلم، أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا، يغسل فيه رأسه وجسده) متفق عليه.

ثانياً: الحجر الصحي في الإسلام، من هدي الإسلام الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم الحجر الصحي على المصابين بأوبئة تنقل المرض إلى غيرهم من الأصحاء حتى لا تنتقل العدوى إلى غيرهم فينتشر الوباء بين الناس، وقد ورد في ذلك العديد من الأحاديث النبوية الشريفة نذكر منها: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بها، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا) متفقٌ عليهِ، وحرصاً من الرسول صلى الله عليه وسلم على منع انتقال العدوى في الأوبئة قال: (فرّ من المجذوم فرارك من الأسد) أخرجه أحمد.

ومن عظمة الإسلام ورحمته أن هذا الحجر الصحي يشمل الإنسان والحيوان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يورد ممرض على مصح) رواه مسلم، قال ابن رجب في لطائف المعارف/ ص68: “والممرض صاحب الإبل المريضة، والمصح: صاحب الإبل الصحيحة، والمراد النهي عن إيراد الإبل المريضة على الصحيحة.

ثالثاً: من هدي الإسلام في الوقاية من الأوبئة والأمراض أن يلتزم الإنسان ويتبع التعليمات والإرشادات التي تصدر عن الجهات الطبية المختصة من الاطباء والإخصائيين والمؤسسات ذات العلاقة والخبرة والمعرفة في الوسائل التي تمنع من انتقال العدوى وتساعد في الوقاية والعلاج من خطر الأوبئة والأمراض.

رابعاً: أمرنا الإسلام إلى ضرورة التداوي وطلب العلاج من الأمراض والأوبئة ومراجعة المستشفيات والمراكز الطبية والصحية لتشخيص المرض والاستعانة بالعلاج والأدوية التي يوصي بها ويصفها الأطباء للمريض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم) رواه ابن ماجه.

نسأل الله العلي القدير أن يرحمنا وأن يرفع البلاء والوباء والفتن والمحن عن بلادنا وعن عباده والحمد لله رب العالمين.

 

مقالات أخرى

الكاتب: الدكتور حسان أبو عرقوب
الكاتب: الباحث الدكتور فادي الربابعة
الكاتب: الباحث الدكتور فادي الربابعة

اقرأ للكاتب