السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عند مجيئي الى كندا منذ خمسة سنوات وقعة على الموافقة على التبرع بالأعضاء والأنسجة عندما قمت بإنشاء بطاقة التأمين الصحي الخاصة بي (RAMQ)، هل هذا عمل جائز و حلال في الدين الاسلامي ؛ ان يتبرع الانسان باعضائه عند موته؟ ام ان جسده ملك لله تعالى ولا يجوز التصرف فيه؟
مع العلم أني بإمكاني إلغاء العقد في كل وقت.
الإجابه:
خلاصة الفتوى/ المسألة خلافية، بين المجيزين والمانعين من الفقهاء، فمن قلد هذا المذهب أو ذاك فلا حرج عليه.
تفصيل الفتوى/
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،
الأصل أن جسد الإنسان مِلك للّٰه تعالى، وهو أمانة عنده لا يملك التصرف فيه إلا بما أذن اللّٰه به، وقد كرّم اللّٰه تعالى الإنسان حيًا وميتًا: (ولقد كرّمنا بني آدم)، فجسد المسلم له حرمة لا يجوز امتهانها، ولا التعدي عليها، لا في حياته ولا بعد وفاته.
هذا من حيث الأصل، وأما من حيث عموم الحاجة إلى التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، فقد اختلف الفقهاء المعاصرون في مشروعية التبرع بالأعضاء بعد الموت، ما بين مجيز ومانع.
والذي تفتي به جمهور المجامع الفقهية كـمجمع الفقه الإسلامي الدولي، والمجلس الأوروبي للإفتاءوالبحوث، وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، هو جواز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة بشروطٍ وضوابطٍ دقيقة، تضمن حفظ كرامة الميت وصيانة مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء، على نحو ما يلي:
# الضوابط الشرعية لجواز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة:
- الضابط الأول: أن يكون التبرع بعد الموت الحقيقي المحقق، وليس بمجرد توقف القلب المؤقت.
- الضابط الثاني: ألا يكون هناك عوض مادي مقابل التبرع بأي شكل من الأشكال، لأن بيع الأعضاء محرم بالإجماع.
- الضابط الثالث: أن يكون التبرع بقصد إنقاذ حياة إنسان أو دفع ضرر بالغ عنه، وليس لأغراض تجميلية أو تجريبية.
- الضابط الرابع: أن يثبت الإذن الصريح من المتبرع في حياته، أو موافقة ورثته بعد وفاته.
- الضابط الخامس: ألا يؤدي التبرع إلى امتهان جثة الميت أو الاعتداء على كرامته، فإن للميت حرمة كحرمة الحي.
- الضابط السادس: ألا يكون العضو المتبرع به مما يترتب عليه اختلاط في الأنساب أو تأثير في المورثات، كالخصيتين أو المبيضين أو الخلايا التناسلية ونحوها؛ لأن ذلك يؤدي إلى إفساد نظام الأنساب الذي جاءت الشريعة الإسلامية بحفظها.
- الضابط السابع: أن يكون العمل تحت إشرافٍ طبي مأمون، وبما يضمن سلامة تطبيق هذه الضوابط الشرعية.
،،، وعليه: فلا حرج عليك في شأن الموافقة على التبرع في بطاقة التأمين الصحي (RAMQ)، لطالما تعلم أنك تستطيع إلغاءها متى شئت، وأن المقصود هو الإذن بالتبرع المشروع ضمن الحدود القانونية والإنسانية المعروفة.
فإن كنت مطمئنًا إلى أن تطبيق التبرع سيكون ضمن هذه الضوابط الشرعية، فابق على موافقتك إذا أردت، ولربما أنها ستكون صدقة جارية عظيمة الأجر لك، وليس هناك أعظم أجرا من استبقاء حفظ النفس البشرية واستنقاذها: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).
أما إن وجدت في نفسك ريبة أو خشيت من تجاوزٍ للضوابط، فلك أن تلغي التبرع فورًا، احتياطًا لدينك، ولا يكلف الله تعالى نفسًا إلا وسعها.
## الترجيح/
الذي أطمئن إليه في الترجيح بين المذهبين الفقهيين في هذا المسألة هو التحاكم الشخصي إلى طمأنينة القلب، وهذا مما يختلف باختلاف الأشخاص، فمن اطمئن قلبه إلى امضاء الإذن بالتبرع بأعضائه بعد وفاته فعل ذلك، ومن اطمئن قلبه إلى التحرج من ذلك وقدم مصلحة تكريم الجسد ميتا كما هو مكرم حيا، وقدم تعظيم هيبة الموت بعدم المساس بالجسد فلا حرج عليه كذلك، وبهذا يجوز إبقاء الموافقة أو إلغاؤها، بحسب ما يطمئن إليه قلب المسلم، فالدين راحة وورع، وليس حرجًا ولا مشقة، وبهذا الفهم يبقى المسلم متوازنًا بين الورع من جانب والرحمة من جانب آخر، فلا يفرّط في حرمة الجسد مقلد، ولا يمنع خيرًا ينقذ به حياة إنسان مقلد آخر.
والله تعالى أعلم