السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله…د. عبدالله.هل يجوز للشخص العمل في مصنع مواد غذائية يتعامل مع كل أنواع الأغذية تعليبا وانتاجا بما في ذلك في بعض الاحيان لحم الخنزير ودهنه ؟
الاجابة:
خلاصة الفتوى/
يجوز ذلك على سبيل الترخص (وليس العزيمة) لمن لا يباشر العمل المحرم، كالموظف المكتبي في الشؤون الإدارية، وكالسائق، ونحو ذلك.
ولا يجوز ذلك في حق المباشر لمعالجة المحرم، من تعليب وتسويق ونحوه.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الكريم ،،
هذا سؤال فيما يتعلق بالمهن والوظائف في المجالات المختلطة (التي خالط الحلال فيها التحريم)، وعموم العمل في مثل تلك المجالات يتصور وقوعه على نطاقين:
النطاق الأول : نطاق المهن والوظائف التي تشتمل على (المحرمات المتعدية)، ويندرج في هذا النطاق من المحرمات صنفان لا ثالث لهما: (تجارة الربا، وتجارة الخمور)، وذلك أن الأصل في المحرمات إنما هو تعلق الإثم فيها بأطراف المعاملة المحرمة المباشرين للحرام دون من سواهم، إلا في خصوص هذين المحرمين، حيث وردت أدلة الشرع بتعدي أثر التحريم فيهما (الإثم) حتى إلى أطراف المعاملة المجاورين، ففي الربا يتعدى التحريم طرفي المعاملة (آكل الربا وموكله) إلى ثلاثة أطراف أخر، في صحيح مسلم: (لعن رسول الله (ص) الربا، وآكله، وموكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء).
وكذا في الخمر لعن النبي (ص) فيها عشرا، ففي صحيح ،الهدي النبوي: (لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، ،وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها).
وبناء عليه فلا يجوز للمسلم أن يقارف عملا في ميدان يختلط فيه الحلال بواحدة من هاتين الكبيرتين، سواء أكان مباشرا لتقديم المعاملة أو غير مباشر، ولا يتصور اقدام المسلم على التورط في شيء من ذلك إلا حيثما كان هناك اضطرار وانعدمت البدائل المشروعة، والواقع في هذا البلد أن البدائل متاحة ومتنوعة، والحمد لله.
النطاق الثاني : نطاق المهن والوظائف التي تشتمل على المحرمات (غير المتعدية)، كمن يعمل في متجر يبيع الخنزير، أو يبيع أوراق الميسر (اليانصيب)، أو يبيع مجلات أو أقراص مدمجة لما يحرم مشاهدته أو سماعه أو النظر فيه، ونحو ذلك مما لا تتعدى حرمته بحسب أدلة الشرع ونصوص الدين، وانما تقتصر الحرمة (أصالة) على البائع الاصلي (مالك المتجر المتربح) والمشتري لتلك المحرمات،، ولا يتعلق الحرج بالاطراف المجاورين من خلال النص الخاص الصريح كما في الربا والخمر، وانما يتطرق إليهم من خلال عموم مبدأ النهي عن الإعانة على كل ما لا يجوز: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، سورة المائدة.
وجملة المهن والوظائف المتعلقة بحدود هذا النطاق من التجارات والأعمال، لا يحرم منها (على سبيل الإعانة على المحرم)، إلا في حق من كانت له مباشرة في تقديم المحرم فقط.
وأما من ليست له مباشرة ، كعامل المخازن، وعامل النظافة، ومراقب الأمن، وتقني الصيانة، وموظفي الاداريات،،، ونحوهم، فلا حرج عليهم فيما يعملون (ترخصا وليس عزيمة).
هذا ولا ينبغي أن يغيب عن وجدان المسلم في سعيه وكسبه وسائر شؤون حياته أنه إنما يراقب ربه، وانما يأخذ من معاشه لمعاده، ويدخر من فانيته إلى خلوده، ولو شاء الله لاغناه عن الحرام بالحلال ابتداءا، لكنه امتحان يمر بنا من طريق الحرام، فمن رضي رسب، ومن تجاوز بلغه الله مسالك الحلال، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
وختاما اخي الكريم ، فإن واقع عمل المسلم في نحو تلك المجالات المختلطة، قد لا يخلو من مباشرة ما لا ينبغي للمسلم مباشرته في موقف أو آخر حسب ما تملي ظروف العمل، وهو لا يملك في ذلك خيارا إذ إنه أجير لدى مصلحة العمل، فعند ذلك ينبغي على من باشر معالجة فيما لا يحل معالجته، أن يتخلص بجزء من راتب عمله يوازي في تقديره أجرة ما باشره من عمل محرم، فيكون بذلك مستطهرا لرزقه مستبرءا لدينه وعرضه.
والله تعالى أعلم
سؤال على هامش التعليق على اجابة هذه الفتوى//
السلام عليكم
هل يشمل ذلك العمل في تطبيقات توصيل الاغذية حيث من الصعب التفريق بين الطعام الحلال وغير الحلال
يجوز او لايجوز ؟
جزاكم الله كل خير
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،
يجوز العمل في ذلك المجال ترخصا ،، بشرط توقي قبول الطلبات من المطاعم التي يغلب على مطلوباتها الحرام.
فإذا غلب المسلم في بعض أوقاته على توصيل order به مطعومات غير مباحة دون قصد فلا حرج عليه إن شاء الله.
وإن تصدق بشيء من دخل ذلك العمل، بقصد التوقي عن الشبهات، والاستبراء، كان ذلك أفضل.
والله تعالى أعلم