السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لاحظت ميل المسلمين رويداً رويداً لاتخاذ لباس معين في المساجد وأحياناً في حياتهم العامة وقد بات ارتداء الثوب الفضفاض الأبيض غالباً ووضع العمامة على الرأس. وقد ارتدى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذه الملابس كعادة العرب وقتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه لا يتميز عنهم بشيء وهذا دليل على أن الشيخ والعالم يجب أن يرتدي مايرتديه عامة المسلمين لا ان يتميز بزي خاص العلماء. أليس كذلك؟ أرجو الإفادة.
الإجابة/
خلاصة الفتوى: نعم، الأصل أن العالم أو الداعية لا يتميّز بلباس خاص يجعله يبدو مختلفًا عن عامة الناس، ما دام لباس الناس مباحًا ولا يخالف الشرع.
تفصيل الفتوى:
الأصل في اللباس أنه من مسائل العرف أكثر من كونه من مسائل الشرع، إلا في ضوابط اجمالية محددة، والعرف هو ما تعارفه عموم الناس وأهل المروءات منهم في بلد أو مجتمع ما.
والعرف بهذا المعنى مُحَكَّم في الشريعة الإسلامية الغراء، بنص القرآن الكريم: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، ومن هنا كانت القاعدة الفقهية الشهيرة: (العادة محكمة شرعا، ما لم تخالف شرعا)، والذي يتصور مخالفته للشرع من عادات الملبس أمور محددة:
- لبس الحرير أو الذهب للرجال
- لبس ما يحص به التشبه بين الرجال والنساء.
- لبس ما يحصل به التشبه بالملابس الدينية لغير المسلمين.
- لبس ملابس الكبر والخيلاء، أو لبس ما زاد على الكعبين لذات القصد.
- لبس ما زادت قيمته عن حد الاقتصاد إلى حد الإسراف.
- لبس ما يكشف العورة للرجال أو النساء.
- لبس ما يصف الجسد أو يشف الجسد للنساء.
- لبس ما يلفت النظر إلى النساء بلونه أو زينته.
- لبس ما لا يناسب الاحتداد أثناء عدة من مات زوجها.
فكل ما خلا عن هذه المحظورات المحددة من عادات الملابس والزينة فلا حرج في لبسه، ولا انكار على لابسه.
،، وبناءا عليه فكما لم يكن للنبي (ص) لباس خاص يميّزه عن أصحابه، وإنما كان يلبس مما يلبسه قومه من القمص والإزار والرداء والعمامة وغيرها، ولم يأمر بلباس معين للمسلمين، وبقي الأمر على ذلك بعد حياة النبي (ص) وفي خلافة كل الخلفاء الراشدين (ض)، بل قد مضى القرن الهجري الأول على نحو ما كان عليه الحال في زمن النبوة.
ثم خلف من بعدهم خلف تغيرت فيهم الأعراف، وتغير الأعراف ليس بدعة في الدين.
👈🏼 تاريخ التعارف على تخصيص أزياء خاصة لعلماء الدين وأئمة المسلمين:
# بدايات التمايز كان في العصر الأموي، فمع اتساع الدولة الإسلامية، واحتكاك المسلمين بالأمم الأخرى (كالفرس والروم)، بدأت الحاجة السياسية والنظامية تظهر أنماط مختلفة من الملابس الرسميةالخاصة بالولاة والموظفين، أما العلماء والأئمة فبقوا على حالهم، لا يميّزهم لباس عن غيرهم، إلا ما يدل على الوقار والنظافة والاحتشام.
# في العصر العباسي، كانت بداية فكرة الزيّ المميز للعلماء والأئمة، بحكم تطور المؤسسات الإدارية والقضائية، فأصبح للقاضي الشرعي وهو الفقيه المجتهد، لباس خاص يميزه في المجالس الرسمية للقضاء والفتوى، وكان المقصود منه تمييزهم بالاحترام لا بالتعالي، ثم تطورت الفكرة، وتتابع العرف بعد ذلك إلى ما هو عليه الآن في زماننا.
👈🏼 إذن فكرة الزي الخاص للعلماء والأئمة ليست بدعة من الدين، وإنما فكرة من التنظيم الاجتماعي والسياسي، والمقصد منها في الأصل التمييز بالوقار لا بالتدين، وبالاحترام لا بالتعالي، لكنها مع مرور الزمن صارت رمزًا للعلم والدين في الوجدان الشعبي.
فخلاصة القول أنها ما يلبسه علماء المسلمين اليوم وأئمتهم من أزياء خاصة قد باتت عرفا، لا حرج في اتباعه والتزامه لمن أراد، ولا ينبغي أن يكون فيها نكير.
ولا سيما أن العرف في زماننا غلب عليه لبس البنطال، وقد استقر في وجدان كثيرٍ من عوام المسلمين أن مثل هذه الملابس لا تناسب مقام الإمامة في الصلاة، فلا يُستنكر إذن أن يحرص العلماء والأئمة والدعاة على لباسٍ يزيدهم حشمةً وهيبةً واحترامًا في عيون الناس، والتزاما للعرف القائم في نفس الباب.
والله تعالى أعلم