السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، لست متأكدا ان كان سؤالي يخص الفقه او الفتوى. ان كان خارج الموضوع ساحذفه.
يقول رسول الله (ص): “لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ.”
الراوي:أنس بن مالك المحدث:البخاري المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:15 حكم المحدث:[صحيح]
كيف يمكن حب من لم تراه و لم تتعايش معه اكثر من من رباك و اطعمك و البسك و درسك و دافع عنك و احبك و احتضنك… و من من ترى فيه الأمل و النجاة؟
لست انكر كلام الرسول (ص) و إنما ابحث عن كيف يمكن جعل ذلك حقيقة (اي جعل حب الرسول (ص) اكثر من حب الوالد و الولد).
كذلك السؤال في حب الله. كيف تحب ما لا تراه و ما لا يمكن تصوره؟ الاسهل هو الخوف و ليس الحب. كيف نرزق حب الله اكثر من اي شيء اخر؟
الاجابة:
هذا الحديث ينبغي أن يفرق فيه مضمون العمل به بين مقامين:
# مقام المشاهدة.
# ومقام المتابعة.
1 / أما في مقام المشاهدة لحياة النبي (ص) لمن بلغهم الله صحبته وكحل الله أنظارهم برؤيته الكريمة، فقد كان لهم خصوصية مخاطبة بمضمون هذا الحديث الشريف، فكثير منهم من أسلم ولا زال آباؤهم على الكفر، يأمرهم دينهم واسلامهم بتمام الطاعة لرسولهم، بينما تأمرهم فطرتهم وأخلاقهم بتمام الطاعة الولاء لآبائهم، ولما زالت تلك حالهم بين مطرقة وسندان.
ولعله لا يغيب عنا في المثال ما رواه مسلم في صحيحه في قصة إسلام سعد بن ابي وقاص (ض) عندما بلغ الخبر إلى أمه، قالت: (حلفت ألا تكلمه أبدا، ولا تأكل ولا تشرب حتى يكفر بمحمد (ص) قالت أو أهلك دون ذلك حتى تزال العرب تعيرك بامك أنك أهلكتها)، والأمثلة في ذلك كثيرة، فانزل الله وحي القرآن يؤكد على أهمية البر بالآباء غير المسلمين وعلى حسن مصاحبتهما في الدنيا معروفا، غير أن ذلك يقف عند حد الدين: (وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفا، واتبع سبيل من أناب إلي)، ثم كان وحي الله لنبيه (ص) في صحيح الهدي النبوي، عازما لهمم الصحابة (ض) على أن الإيمان لا يتحقق إلا إذا كان الولاء الاعظم في الوجدان والمحبة الاعلى في القلب، لله ولرسوله (ص): (والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين)، ومثله في صحيح الهدي النبوي: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وان يحب المرء لا يحبه إلا لله، وان يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
فاستقام بذلك عزم الصحابة ، واكتمل ايمانهم، واستقام صفهم صفا واحدا خلف رسول الله (ص) فأعلى الله بهم الدين، وأعلى الله لهم الدرجات، حتى وجدنا من أثر ذلك أن الصحابي الجليل عبد الله بن رأس المنافقين عبد الله بن سلول، يقف لوالده وأبيه على مدخل المدينة المنورة يمنعه من دخولها عندما بلغه أن أباه قد قال عن رسول الله (ص): (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، وقال له مشيرا بالسيف: انت تزعم أنك الأعز ورسول الله الأذل، والله لن تدخلها صاغرا ذليلا حتى يأذن لك رسول الله (ص)، ثم بعدها استأذن رسول الله (ص) في أن يقتل أباه المنافق، قائلا: (يا رسول الله إن أبي يؤذي الله ورسوله فذرني حتى أقتله)، فنهاه النبي (ص) ومنعه من ذلك.
ففي مقام المشاهدة كانت هذه ضرورة يكتمل بها الإيمان ويقوى بها الصف وتنهض بها الدولة، وتغلق بها الذرائع وتسد بها على الأعداء المكائد، وتصور محبة النبي (ص) في ذلك المقام في حياته (ص) تصور واقعي جدا ، فقد كان (ص) أرحم بأصحابه من آبائهم، واقرب إليهم كذلك، وما تبدلت بهم الأحوال ولا انسلخت عنهم الظلمات في فكرهم وسلوكهم واجتماعياتهم وسائر مناحي حياتهم إلا بفضل وحيه وهديه وجهاده فيهم (ص) فمن الطبيعي أن يكون حبهم إليهم اكبر من حبهم لآبائهم وذويهم.
2 / أما في مقام المتابعة ، لمن لم ير النبي (ص) فإن ذلك لا يتصور اخي الكريم إلا لمن كان دائم المتابعة لسنة النبي (ص) كثير الصلاة عليه، كثير القراءة لسيرته، والتفكر في جهاده (ص) لدعته وفي أمته، فعند ذلك يقوده شوقه وحبه وحنينه لأن يكون رسول الله أحب إليه من والده، بل ومن نفسه، يتصور حقا أن لو كانت أقدار الله أنه في مكان الصديق أبي بكر لفعل تماما مثل فعل أبي بكر (ض) تارة يمشي خلف الرسول (ص) وتارة يمشي أمام الرسول (ص) فضحك الرسول (ص) وقال ما بك يا أبا بكر، تمشي أمامي وتمشي خلفي، ثم سرعان ما دمعت عين النبي (ص) من جواب أبي بكر: (يا رسول الله تارة أتذكر الرصد فامشي أمامك، وتارة أتذكر الطلب فامشي خلفك حتى يجعلني الله فدائك يا حبيب الله، إني إذا مت مات رجل، وأما موتك يا رسول الله فموت الأمة قاطبة).
ولا ينبغي أن يغيب عن وجدانك في تساؤلك أخي الكريم ، أن الناس عند الله مقامات ودرجات، وان محبة النبي (ص) باكثر من محبة الآباء ليس مقام العامة وانما أخص مقامات الخاصة، فهو مقام الايمان، ومن ذاق عرف.
والله تعالى أعلم