السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته،،
ورد تساؤل على الخاص حول زكاة المال المستثمر لدى جمعية التمويل العقاري بقصد شراء المسكن، وتساؤل المستفتي تحديدا حول القدر الواجب تزكيته من رصيد أمواله هناك، هل يزكي رأس المال مع ربحه؟ أم يزكي أرباح المال فقط؟ وقد أضاف أنه قد سال إمامين هنا في مونتريال، فافتياه بجوابين مختلفين.
فقصدت تعميم الجواب لتعميم التفقه والانتفاع، والله من وراء القصد،، آمين 👇👇
الاجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،، بداية أود التأكيد على أمرين:
- الأمر الأول: أن زكاة الأوراق الماليه (الأسهم والسندات) إنما تشمل تزكية رأس المال الذي تمثله القيمة السوقية للسهم أو السند، بالإضافة إلى قيمة الأرباح.
- الأمر الثاني: أن اختلاف الفتوى بين مفت وآخر، إنما هو أمر طبيعي، وهو مظهر من مظاهر تعددية التيسير في الفقه الاسلامي، ومرده في الأصل إلى اختلاف وجهات النظر الاجتهادي، والتي تختلف باختلاف المفتين تارة، واختلاف المستفتين تارة، وحتى اختلاف الأحوال والظروف والملابسات تارات أخر، فكل ذلك قد يكون له أثره المعتبر شرعا في تعدد الاخبار بالحكم الشرعي المناسب، ومجال كل ذلك (المسائل الفقهية الاجتهادية)، أما المسائل الفقهية النصية، فهي قطعية لا تقبل الاختلاف بحال من الأحوال، ولتوضيح ذلك أضرب مثالا أقول :
لا يختلف مفتيان على وجه الأرض في حكم الربا؛ لأن حكمه نصي قرآني (وحرم الربا)، لكن قد يختلفون كثيرا ما الذي يعد ربا وما الذي لا يعد كذلك من مجموع المعاملات المالية والبنكية المختلفة!!
والآن نأتي إلى الإجابة على فتوى المستفتي هناك ، فأقول:
كلا الجوابين اللذين أفتيت بهما أخي الكريم صحيح، فالمسألة يتجاذبها اعتباران ويتنازعها نظران:
أما النظر الاول، فهو النظر الى أصل المال.
وأما النظر الثاني، فهو النظر الى القصد المرصود لأجله ذلك المال.
- فمقتضى مذهب جمهور الفقهاء، أن الزكاة تجب في أصل المال وأرباحه على حد سواء، ينظرون إلى كل المبلغ فيقولون إنه مال قد تحققت فيه شروط وجوب الزكاة، بلغ نصابا وحال عليه الحول، فوجبت زكاته.
- ومقتضى المذهب الثاني،، وهو مذهب بعض المعاصرين، منهم د. القرضاوي، د. علي جمعة، وآخرين: أن الزكاة هنا واجبة فقط في نماء المال وأرباحه دون أصل المال، وذلك أنهم ينظرون إلى القصد المرصود لأجله ذلك المال.
فيقولون: هو مال مرصود لحاجات الإنسان الضرورية (شراء المسكن)، فأخذ حكم المسكن، مستندين في ذلك إلى حديث النبي (ص) في صحيح الفقه النبوي: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقه) فإن فقه هذا الحديث أنه لا تجب زكاة على المسلم فيما يعد من حاجاته الحياتية الأصلية، كمسكنه ومركبه من فرس أو سيارة ونحو ذلك، وعلى هذا استقرت كلمة الفقهاء قاطبة: (ليس على المرء في مسكنه ومركبه وملبسه زكاة وإن بلغت قيمتها ما بلغت).
ولأجل هذا كان اختلاف في وجهات النظر ، فمن نظر الى أصل المال وإلى التقوى أوجب زكاة الجميع، ومن نظر بمزيد تأمل فراعى قصد المزكي وتطلعاته المشروعة قصر وجوب الزكاة على الارباح فقط، بل يصح حتى إسقاط الزكاة عن الجميع (أصل المال وربح المال) باعتبار أنه مال كله مرصود لحاجات الإنسان الأصلية والضرورية فأخذ حكم تلك الحاجات، فمن أخذ بهذا أو ذاك فقط صادف الصواب، وإن كان الأخذ بمقتضى المذهب الأول هو الاولى والأرجح.
والله تعالى أعلم